السبت، 11 سبتمبر 2010

(القتــل والإيــذاء الجســدي)



جرائـــم القتـــــل

:
بداية نعرف القتل على أنه إزهاق روح إنسان آخر دون حق بفعل أو امتناع عن فعل. جريمة القتل من الجرائم التي قد تقع عمـــدا أو خطـــأ ولقد تطرق قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 لتنظيم جرائم القتل في القسم السابع في المواد من 212 إلى 227.
لا جدل حول العلة في تجريم أفعال القتل حيث أن الحفاظ على حياة الإنسان يعتبر بمثابة الحفاظ على حياة المجتمع بأسره وتستند هذه الغاية إلى الشريعة الإسلامية التي وضعت إطار حازم وواضح فيما يتعلق بالرد على كل من يقتل شخص آخر بغير حق وباعتبار أن جريمة القتل هي من أشد الجرائم التي تقترف ضد آحاد الناس والمجتمع وسنعمل على دراستها بجميع جوانبها وبشكل مفصل كالتالي :
- سنخصص الفصل الأول لدراسة القواعد العامة لجريمة القتل التي تتعلق بموضوع القتل (الإنسان) والفعل الإجرامي والنتيجة الإجرامية وعلاقة السببية بينهما.
- في الفصل الثاني سندرس جريمة القتل العمد.
- وفي الفصل الثالث سنتطرق إلى دراسة جريمة القتل الخطأ.




الفصل الأول
المطلب الأول
القواعد العامة لجريمة القتل

1. موضوع جريمة القتل :
أ- محـــل الجريمــة :

تتعلق القواعد العامة لجريمة القتل بجميع أنواع جريمة القتل حيث تشكل هذه القواعد عناصر أي جريمة قتل.
الظاهرة الجنائية تتكون من ثلاثة عناصر هي المصلحة القانونية والجريمة والعقوبة. عنصر المصلحة القانونية يشكل موضوع جريمة القتل بمعنى أن الاعتداء الذي يوجهه الفاعل ضد المصلحة القانونية في جريمة القتل يتعلق بحياة الإنسان.
الألفاظ التي تعبر عن موضوع الجريمة (حياة الإنسان) في النصوص الجزائية هي " كل من تسبب في موت.....) وفقا للمادة 214 بند "أ"  و " كل من تسبب قصداً في موت أي شخص " مادة 214 بند "ب" ...الخ .
بالتالي محل أو موضوع جريمة القتل هو الإنسان حيث أن قتل الحيوان يعتبر جريمة أخرى لا تقع ضمن جرائم القتل التي تنفذ ضد الإنسان , كذلك يشترط موضوع جريمة القتل أن يكون الإنسان حياً وعدا هذين الشرطين الأساسيين (إنسان وحي) لا يتطلب القانون أي شرط آخر لحماية الإنسان في حقه في الحياة مثل اللون أو العرق أو الدين أو اللغة أو السن أو الحالة الصحية أو المكانة الاجتماعية أو السياسية أو مواطنا أو أجنبيا أو شابا أو طفلا أو غنيا أو فقيرا .... الخ .
كل هذه الأسباب لا تحول دون حماية الإنسان في حقه في الحياة وبالتالي القاعدة هي أن حماية الحق في الحياة تتعلق بكل إنسان حي[1].
ب- الإنســان الحــي :

ولكن من هو الإنسان الحي ؟ بشكل عام , الإنسان الحي هو كل من تضعه أمه حيا بطريق الولادة كما تنص على ذلك المادة 220 من القانون رقم 74 لسنة 1936 حيث " يعتبر الطفل شخصا يمكن قتله متى خلص حيا من بطن أمه ..." بالتالي لا يعتبر الكائن الموجود في بطن أمه إنسانا ولكن جنينا يستحق الحماية وفقا لنصوص جزائية أخرى تتعلق بالإجهاض.
وفقا لما سبق النصوص الجزائية التي تتعلق بجريمة القتل وتسعى إلى حماية الإنسان لا تتضمن "الجنين" لأن هذه الحماية تبدأ من لحظة ميلاد الجنين حيا حتى لحظة وفاته[2].

ب1. ولادة الجنيـــن :

تحديد اللحظة التي يولد فيها الجنين يعتبر من أهم المسائل التي تواجه الفقه الجنائي في جميع الدول لأن هذه اللحظة هي بمثابة الحد الفاصل بين "الجنين" واعتبار قتله إجهاض وبين "الإنسان" الذي يعتبر فعلا لإزهاق روحه جريمة قتل.
من الواضح أن عقوبة اقتراف جريمة إجهاض تختلف بشكل جذري عن عقوبة جريمة قتل إنسان عمدا أو خطأ. كذلك هنالك أهمية قصوى فيما يتعلق بالقتل العمد للإنسان والإجهاض الخطأ الذي لا يعاقب عليه القانون.
بالتالي القتل الذي يقع قبل الوضع يُعتبر إجهاضا أما القتل الذي يقع بعد الوضع فيعتبر قتلا لإنسان. الصعوبة تكمن في تحديد لحظة الوضع وانتهائه.
كل من الفقه المصري والفقه اليوناني يتفقان على أن حياة الإنسان تبدأ ببداية عملية الولادة وليست بتمامها بمعنى أن حياة الإنسان تشمل اللحظة الزمنية أثناء الوقت الذي تستغرقه عملية الولادة ما دام الجنين قد استقل بكيانه عن أمه وأصبح مستندا للخروج رغم الصعوبات وطوال الوقت[3] : " الأم التي تقتل ولدها عمدا أثناء الوضع أو بعده ولكن بينما كان يستمر جهازها بالاختلال جراء الوضع تعاقب بالسجن لمدة عشر سنوات "[4].

ب2.  لحظة الوفاة :

يحدد الفقه لحظة وفاة الإنسان بلحظة توقف القلب والجهاز التنفسي توقفا تاما ونهائيا , مجرد مرور هذه اللحظة يتوقف القانون عن حماية الإنسان ككائن حي وأي اعتداء عليه بعد لحظة وفاته لا يشكل أي جريمة قتل.

ج. المسائل المتعلقة بموضوع القتل :

ج1. الانتحار :
كما نعلم جريمة القتل هي جريمة إزهاق روح شخص من شخص آخر دون حق وبذلك يكون موضوع جريمة القتل حياة إنسان آخر فماذا عن الانتحار ؟ الانتحار هو إزهاق روح الشخص بنفسه أي بمعنى أن الفاعل هو نفسه المجني عليه , من البديهي أن الانتحار يشكل جريمة قتل ولكن لإتحاد الفاعل والمجني عليه في شخص واحد لا يمكن إنزال أي عقاب ضد الجاني لأنه أصبح شخصا في عداد الموتى وبالتالي لا عبرة ولا معنى من إنزال عقوبة في ميت.
ولكن القانون الجنائي يعاقب على كل من ساعد شخص آخر على الانتحار وفقا للمادة 225 بند "2" , لأنه في تصرفه يساهم في إهدار حياة إنسان حي.
ولكي نعتبر أن الشخص قد ساعد في عملية انتحار شخص آخر يجب أن يعبر فعل المساعدة عن بدء في تنفيذ جريمة الانتحار أما إذا تعلق فعل المساهمة بالأعمال التحضيرية لجريمة الانتحار فلا عقاب للشخص الذي يساهم في جريمة انتحار , ونستدل من المادة 225 أن أنواع الاشتراك في الانتحار اثنين : وفقا للبند "أ" يشير القانون إلى التحريض على الانتحار أما البند "ج" فيتعلق بالمساعدة التي يجب أن تتجسد على الأقل في البدء في تنفيذ جريمة الانتحار.

ج2. القتل بسبب الشفقة :

خلقت مسألة القتل بسبب الإشفاق على المجني عليه إرباك في الأوساط القانونية والدينية والاجتماعية في الدول الأجنبية حيث أن هذه الظاهرة لم تجد لها تربة خصبة في الوطن العربي , بالطبع لا فرق بين القتل الناتج عن شفقة والقتل بصورته العادية فكلاهما يحقق الأركان المادية لجريمة القتل وكلاهما يعتدي على حياة إنسان حي ويقوم بانتزاعها على وجه غير حق.
الفارق الوحيد بينهما يكمن في الباعث حيث أن القتل بسبب الشفقة يرتكز إلى إشفاق الجاني (الذي هو بالعادة طبيب) على المجني عليه الذي في جميع الحالات هو مريض عجز الطب عن اشفاءه بسبب مرض مزمن يتسبب في خلق آلام فظيعة أو بسبب تشوه خلقي شديد.
التجربة الأوربية والأمريكية وبشكل عام الدول الغير عربية غنية بمثل هذه الحالات مما جعل المشرع الجنائي اللجوء إلى النص على جريمة القتل النابع عن شفقة ومنها قانون العقوبات اليوناني حيث نص على ذلك في المادة 300 حيث جاء فيها أن   " كل من قرر ونفذ جريمة قتل بعد طلب جاد ومصر من الضحية وبناءا على شفقة عليه لإصابته بمرض لا يمكن علاجه يعاقب بالحبس ".
ما زالت هذه المسألة تثير جدلا أخلاقيا ودينيا في هذه البلاد وتم الحد منها بسبب ردة فعل الفئات الاجتماعية وخاصة منظمات حقوق الإنسان , كذلك واجه القضاء هذه الحالات بصرامة وأدان الكثير من الجناة كي يكونوا عبرة للآخرين وكي يضع حدا لكل من يتجرأ على اقتراف هذا الفعل.
أما في الدول العربية والإسلامية نلاحظ أن قوانين العقوبات لا تشمل نصوص تشير إلى أفعال مثل الشفقة على المجني عليه وهذا يرجع إلى المبادئ الدينية التي تمليها على مجتمعاتنا الشريعة الإسلامية حيث تعتبر أن كل فعل قتل بدون حق هو جريمة يعاقب عليها القانون ووفقا لقول الله تعالى " ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " ولأن دم المسلم لا يحل إلا في ثلاث حالات " النفس بالنفس والردة بعد الإسلام وزنا المحصن أو المحصنة ".
وفقا لما سبق موضوع القتل يشترط إنسان حي بغض النظر عن حالته الصحية وتقع عليه جريمة قتل منذ لحظة وصفه على أنه حيا حتى آخر لحظة في حياته أي لحظة وفاته التي يتوقف فيها قلبه عن العمل ويتعطل جهازه التنفسي بشكل تام ونهائي , بالتالي أي فعل أو امتناع عن فعل يؤدي إلى انتزاع حياة الإنسان بدون حق يترتب عليه تحقيق الركن المادي لجريمة القتل وعندما يتوفر القصد الجنائي وعلاقة السببية بين الفعل والنتيجة يكون الفاعل مساءل عن جريمة قتل. هكذا رضاء المجني عليه أو شفقة الجاني على المجني عليه لا تحول بأي حال من الأحوال دون مساءلة الفاعل عن جريمة قتل عمد.
هنا نعترض مع رأي بعض الفقهاء المصريين الذين يرون أنه من الأفضل أن ينص قانون العقوبات المصري على نص مخفف لعقوبة القتل بدافع الشفقة لا سيما إذا وقع بناءا على إلحاح المريض مثلما يقر بذلك القانون السوري واللبناني (مادة538)[5].
موضوع جريمة القتل أي الإنسان الحي يمكن إثباته بشتى الطرق الممكنة وعادة ما يلجأ القضاء إلى تقارير الطب الشرعي لإثبات حالة الوفاة وأسبابها وفي بعض الحالات يمكن إثبات حالة وفاة إنسان رغم عدم العثور على جثته.
مثـــال :
إبحار قارب صيد صغير للصيد وعدم رجوعه أو العثور عليه بسبب حالة الطقس السيئ يدل على غرقه وموت طاقمه.







المطلب الثاني
الركن المادي لجريمة القتل


1. عناصر الركن المادي :

الركن المادي لأي جريمة يتألف من ثلاثة عناصر : عنصر النشاط الإجرامي (بالإضافة إلى عناصر مثل الفاعل و محل الجريمة و زمان و مكان الجريمة و ظروفها) وعنصر النتيجة الإجرامية وعنصر علاقة السببية وجريمة القتل كسائر الجرائم تقوم في ركنها المادي عندما تتحقق الثلاثة عناصر هذه التي سنقوم بدراستها.

أ. النشاط الإجرامي (فعل القتل) :

يشير عنصر النشاط الإجرامي في جريمة القتل إلى فعل القتل الذي يعبر عن إرادة الفاعل التي تتجه نحو إزهاق روح المجني عليه.
التشريعات الجنائية لا تضع وصفا محددا لفعل إزهاق الروح ولذلك كل سلوك يؤدي  إلى انتزاع حياة الإنسان يعد فعل قتل. وفقا للنظريات الموضوعية التي تسلم بها جميع التشريعات الجنائية الأوروبية قيام جريمة القتل يتطلب تنفيذ فعل مادي باعتباره عنصر من عناصر الركن المادي وبالتالي لا يمكن قيام الركن المادي لجريمة القتل بمجرد العزم أو التفكير في تنفيذ جريمة قتل وهذا ما نصفه بالنظرية المعنوية التي ترفضها كل الشرائع[6].
بالتالي النشاط الإجرامي في جريمة القتل هو عبارة عن فعل إرادي يؤدي إلى إحداث النتيجة الإجرامية (القتل). هذا الفعل الإجرامي في أغلب صوره يعبر عن سلوك إيجابي يتجسد بحركة عضلية إرادية ظاهرة في عالمنا الخارجي.
النتيجة الإجرامية الناتجة عن السلوك قد تتحقق بحركة عضلية واحدة أو بعدة حركات دون أن يترتب على ذلك تعدد جرائم.
أمثلــــة :
·             إطلاق رصاصة واحدة أو عدة رصاصات على المجني عليه.
·             طعن المجني عليها طعنة واحدة أو عدة طعنات.
·             وضع جرعة سم واحدة أو عدة جرعات في شراب الزوج.
·             ضرب المجني عليه على رأسه بضربة واحدة أو عدة ضربات.
كذلك يمكن تحقيق فعل القتل بالامتناع عن الحركة العضلية التي يجب على الفاعل القيام بها للحيلولة دون تحقيق النتيجة الإجرامية المتمثلة بالقتل.
القتل الذي يتم بحركة عضلية (فعل إيجابي) لا يعرض صعوبات بشكل عام لتحديده أما القتل الذي يحدث بالامتناع أي بعدم إقدام الفاعل على إتيان حركة عضلية من أجل عدم حدوث النتيجة الإجرامية يثير عدة مشاكل أهمها مشكلة الامتناع الذي يسبقه فعل إيجابي والامتناع الغير مسبوق بفعل إيجابي.
الامتناع المسبوق بفعل إيجابي يعني أن الفاعل يقوم بحركة عضلية إرادية تؤدي إلى تحقيق نتيجة محددة ثم يمتنع عن القيام بحركة عضلية تؤدي إلى حدوث النتيجة الإجرامية التي تشير إلى القتل.
مثـــال1 :
حسام يضرب تامر بعصا على رأسه ليقتله ويتركه ينزف في منطقة معزولة عن السكان إلى أن يموت.
مثـــال2 :
حسام يريد قتل تامر الذي لا يتقن السباحة، حسام يصطحب تامر إلى الميناء ثم يلقيه إلى البحر ويمتنع عن إنقاذه.
الامتناع عن فعل مسبوق بفعل إيجابي يترتب عليه مسئولية الفاعل عن جريمة قتل في حالة توفر قصده الجنائي. الفعل الايجابي في هذه الحالة يشكل شرطا أساسيا لتحقيق النتيجة الإجرامية التي تنشأ جراء امتناع الفاعل عن القيام بحركة عضلية[7].
تطبيقا لذلك الفاعل الذي يصيب المجني عليه (فعل إيجابي) برصاصة ثم يتركه (امتناع) ينزف حتى الموت يعتبر مسئولا عن جريمة قتل وبالتالي الفعل الإيجابي (إطلاق الرصاص) حتما يؤدي إلى حدوث النتيجة الإجرامية التي وقعت جراء حركة الامتناع عن إنقاذه. أما الامتناع الغير مسبوق بفعل إيجابي فيشكل دون أدنى شك فعل تجسيد بالامتناع عن حركة تؤدي إلى حدوث النتيجة الإجرامية.
سابقا وقعت تشريعات جنائية بارتكاب خطأ فادح عندما اعتبرت أن جريمة القتل لا تتحقق إلا بفعل إيجابي ولا يمكن تحقيقها بامتناع عن حركة معللة ذلك بأن الامتناع ليست حركة إلا أن الامتناع ليست عدم ولكن يعبر أيضا عن حركة، حركة مانعة وبالتالي تصح أن تكون سبب في تحقيق نتيجة إجرامية[8].
مثــال:
الممرضة التي تمتنع عن تشغيل جهاز التنفس الاصطناعي للمريض مما يؤدي إلى اختناقه ووفاته.
وفقا لما سبق الامتناع عن الحركة يؤدي إلى حدوث النتيجة الإجرامية كما أن تحدث جراء حركة عضلية وبالتالي القتل بالامتناع هو كالقتل بفعل إيجابي ويعاقب عليه القانون بنفس العقوبة.
القتل بالامتناع يشترط عادة وجود التزام قانوني بين الجاني والمجني عليه.
أمثلـــة:
·                   امتناع رجل الإطفائية عن إطفاء الحريق الذي شب في منزل تامر.
·                   امتناع المنقذ عن إنقاذ الغريق.
·                   امتناع الأم عن رضاعة طفلها.
·                   امتناع الحارس عن إنقاذ مديره من عملية قتل.
الفقه المصري يأخذ بما يسير عليه الفقه الألماني والانجليزي والايطالي واليوناني حيث يعتبر أن القتل بالامتناع يعاقب عليه كالقتل بفعل ايجابي ( المادة 14 من قانون العقوبات اليوناني تنص على " أن الجريمة هي فعل لا مشروع ومساءل عنه فاعله ويعاقب عليها القانون . مصطلح " فعل" المستخدم في النصوص الجزائرية يشمل أيضا "الامتناع" ).
لكن نختلف مع الفقه المصري عندما ربط الامتناع بالتزام قانوني أو تعاقدي لأن الامتناع يعبر عن أحد صور الفعل أما الامتناع المربوط بالتزام قانوني فهو يعبر عن نوع من أنواع الجرائم .
مثـــال1 :
حسام يريد قتل جاره تامر ولذلك يلقي به في بئر عميق ويمتنع عن إمداده بالطعام والشراب. في هذه الحالة من البداية لا توجد أية رابطة التزام قانوني بين حسام وتامر وحسام ينفذ جريمة القتل دون توفر هذا الالتزام.
مثـــال2 :
حسام طبيب في مستشفى الشفاء يمتنع عن إجراء عملية جراحية لتامر الذي حدثت بينهما مشاكل سابقا مما يؤدي إلى وفاة تامر.
وجه الاختلاف واضح بين الامتناع والامتناع النابع عن التزام قانوني بحيث الفاعل في الامتناع النابع عن التزام لا يتسبب ولا يخلق بنفسه ظروف حالة الاعتداء على حياة المجني عليه على عكس من حالة الامتناع العادية , بالتالي في حالة اشتراط التزام قانوني لمسائلة الفاعل في جرائم الامتناع وتوفرها عندئذ تثبت مسؤولية الممتنع بينما في حالة عدم وجود هذا الالتزام فلا مسائلة.
أما في حالة الامتناع العادية فسواء توفرت صفة الالتزام القانوني أم لم تتوفر فهناك مساءلة قانونية لفاعل الجريمة بالامتناع[9].
هذا ويتضح الخطأ الفادح في أداء بعض الفقهاء المصريين فيما يتعلق بالامتناع عندما يعتبرون أن الوفاة التي ترجع إلى فعل ايجابي صادر عن شخص آخر ولا دخل فيه لإرادة الممتنع فلا يعتبر الممتنع مسئولا عن القتل ولو كان عليه واجب بالتدخل وكان قاصدا بامتناعه حدوث الوفاة لأنه برغم امتناعه عن أداء الواجب المفروض عليه فان هذا الامتناع لم يكن هو السبب المباشر في إحداث الوفاة وإن ساعد على حدوثها كظرف عارض[10].
مثـــال1 :
عسكري الشرطة الذي يشاهد جريمة قتل على وشك الوقوع فيمتنع عن التدخل.
مثـــال2 :
العامل المكلف بالإشراف على سلامة الطريق الزراعي ويمتنع عن رفع شجرة وضعها بعض الأشرار على الطريق بقصد إحداث تصادم أدى بحياة أفراد.
مثـــال3 :
الزوج الذي يرى زوجته تتناول جرعة من السم للانتحار ولا ينتزع منها الجرعة أو يسعفها.
نحن نتفق أنه في جميع الحالات السابقة لم يشكل فعل الامتناع سبب مباشر لإحداث النتيجة الإجرامية , ولكن طبيعة الالتزام القانوني تعتبر بمثابة حلقة الوصل بين الامتناع والنتيجة الإجرامية.
التشريعات الجنائية الأوروبية تأخذ بالقصد الجنائي " اللاحق" للفعل الإجرامي بمعنى أن شخص ما يبدأ بفعل إجرامي لتحقيق النتيجة الإجرامية ثم يأتي شخص آخر إما كان موجودا لحظة اقتراف الفعل وإما أنه حضر في مسرح الجريمة بعد البدء في تنفيذ الفعل وقرر الاشتراك في تحقيق النتيجة الإجرامية (أيا كان نوع هذا الاشتراك). هنا نستطيع أن نرصد مسؤولية الممتنع الذي لم يتسبب في إحداث النتيجة الإجرامية بشكل مباشر حيث أن الشخص الذي يلزمه القانون بفعل من أجل الحيلولة دون حدوث النتيجة الإجرامية حتى ولم يكن سببا مباشرا في إحداثها في حالة أنه يمتنع عن القيام بفعل لإعاقة حدوثها وبقصد إحداثها (إرادة وعلم) عندئذ يجب مسائلته جنائيا وأما مسألة تحديد جرمه فتعود إلى وقائع الجريمة والى القاضي. لذلك في مثال الشرطي الذي يمتنع عن إنقاذ المجني عليه إذا ثبت قصده الجنائي بقتل المجني عليه (لأنه على سبيل المثال تعارك معه سابقا) يجب تأسيس مسؤوليته الجنائية باشتراك في جريمة قتل وأما إن لم يثبت قصده الجنائي فعلى الأقل يجب محاسبته وفقا لمواد مخالفة القيام بالواجب أو منع اقتراف الجرائم.

ب. وسيـــلة القتـــل :

الفعل في جريمة القتل كعنصر من عناصر الركن المادي يعني حركة (أو امتناع عن حركة ) عضلية إرادية قادرة على إحداث النتيجة الإجرامية المتمثلة بالقتل. كذلك يمكن إحداث هذه النتيجة الإجرامية بحركة واحدة أو عدة حركات عضلية إرادية. قانون العقوبات رقم 74 لسنة 1936 لم يحدد لنا وصف معين لجريمة القتل أو وسيلة اقتراف معينة على عكس من قانون العقوبات المصري الذي بشكل عام لم يحدد وسيلة معينة ولكنه لجأ إلى تخصيص مادة واحدة تتعلق بوصف وسيلة القتل التى تحدث بالسم (مادة 233 ). النشاط الإجرامي الذي يحقق به الفاعل جريمة القتل قد ينفذ بأية وسيلة ولذلك لاعبرة بالوسيلة التى تقع بها جريمة القتل ولكن الأهمية تتجه نحو النتيجة الإجرامية التى تترتب على فعل الجاني.
الأدوات التي يستخدمها الجاني قد تعبر عن وسيلة قتل ناجحة ومباشرة فى تحقيق القتل مثل الأسلحة والمتفجرات والسموم والأدوات الحادة أو تكون الأدوات من طبيعتها لا تحقق النتيجة الإجرامية ومع ذلك يستخدمها الفاعل كوسيلة تؤدى إلى تحقيق جريمة القتل مثل الحجارة أو العصا أو السكاكين. كذلك قد يلجأ الفاعل إلى استخدام حيوانات مفترسة لتحقيق جريمة القتل أو استغلال شخص يعانى من اختلال فى العقل لتنفيذ الجريمة وفى جميع الحالات ورغم اختلاف الوسيلة التى يستخدمها الجاني لتحقيق جريمة القتل إلا ان القانون يعتدُ بها جميعا لمسأله الفاعل عن جريمة القتل.
كذلك لا يشترط القانون استخدام وسيلة القتل بشكل مباشر من قبل الفاعل بل قد ينفذ الأخير جريمته بطريقة غير مباشرة مثل أن يضع السم فى كأس المجني عليه او أن يضع متفجرات فى سيارته أو أن يفتح أنابيب الغاز فى بيته.
- القتــل المعنــوي :
أشرنا فيما سبق إلى جريمة القتل التى تحدث بوسائل مادية مثل استخدام الأسلحة أو المتفجرات أو السم أو السكاكين لتحقيق النتيجة الإجرامية فهل يمكن أن يحقق الجاني جريمة القتل بوسائل معنوية ؟ أي وسائل نفسية ؟
لا شك بأن القتل هو جريمة تعبر عن إزهاق روح شخص آخر دون حق بغض النظر عن الوسيلة المستخدمة لتحقيقها وبالتالي لم يشترط القانون وسيله مادية فقط لتحقيق جريمة القتل بل من الممكن تحقيقها بوسيلة معنوية نفسية وعلى وجه الدقة يتجه تأثير العوامل النفسية التي يستخدمها الفاعل ضد المجني عليه لتصيب الأخير في الحالة النفسية وليست الجسدية مما يؤدي إلى وفاته.
مثـــال1 :
حسام يعلم أن تامر رجل مسن ويعاني من مرض في القلب ورغم ذلك ينقض عليه بتهديده بالسلاح مما يؤدي إلى إصابة تامر بنوبة قلبية ناتجة عن خوفه من تهديد السلاح.
مثـــال2 :
حسام يريد الانتقام من تامر فيقوم بوضع أفعى في حقيبة ابنه الصغير الذي بمجرد فتحه الحقيبة ورؤيته للأفعى يموت جراء الانهيار العصبي الذي أصابه جراء خوفه.

مثـــال3 :
حسام يعلم مدى حب الأم المسنه لابنها الوحيد ورغم ذلك يقوم بإعلامها بشكل مفاجئ بموت ابنها مما يؤدي إلى موتها جراء حزنها الشديد علي موت ابنها.
الصعوبة تكمن بالنسبة لجريمة القتل التي تنفذ بوسائل معنوية في إثبات الرابطة السببية بين الوسيلة المعنوية المستخدمة والنتيجة الإجرامية المتمثلة بالقتل حيث أنه لا يوفر أي فعل مادي ملموس في عالمنا الخارجي يمكن الاستناد إليه لإثبات علاقته بالنتيجة الإجرامية وهذا ما يشكل أحد مظاهر النظرية المعنوية التي تستند إلى ما يدور داخل ذهن الفاعل لإثبات جريمته دون الاستناد إلى المادية التي أحدثها بفعله. ولكن الفقه المصري يقبل بإمكانية إحداث النتيجة الإجرامية لجريمة القتل أيضا بوسائل معنوية ويمكن معاقبه الفاعل في هذه الحالات إذا توفرت علاقة السببية بين الفعل و الوفاة وكان قصده الجنائي ثابتا[11]. ومن ناحيتنا نرى أن تحقيق النتيجة الإجرامية يشترط تنفيذ فعل ( أو امتناع) مادي من قبل الفاعل و ارتباط إرادته و قصده بعلاقة السببية بهذا الفعل. أما تحقيق النتيجة الإجرامية بوسائل نفسية معنوية يجب مواجهته بأشد الحذر ومحاولة الابتعاد عن استخدام النظرية المعنوية لمساءلة الفاعل لأن القانون لا يمكن أن يعاقب على ما يدور في ذهن الفاعل دون تجسيده بصورة واقعية ملموسة وهذا ما لا يمكن الوصول والتغلغل إليه داخل ذهن الإنسان و عالمه الداخلي.
- جريمة القتل المستحيلة :
نظرية الجريمة المستحيلة هى أحد النظريات التى يتطرق إليها ويعالجها القسم العام من قانون العقوبات فإن الجريمة قد تستحيل بسبب موضوع الجريمة أو بسبب الوسيلة التى يلجأ إليها الفاعل بهدف تنفيذ جريمته وقد تكون استحالة الجريمة نسبية    (حيث يسأل الفاعل جنائيا) قد تكون مطلقة (حيث تستحيل مسائلة الفاعل الجنائية بشكل مطلق).
جريمة القتل المستحيلة بالتالي هي الجريمة التي يستحيل تحقيق ركنها المادي بسبب الموضوع الموجه ضده فعل الاعتداء أو بسبب الوسيلة التى يستعملها الجاني لتحقيق جريمة القتل.
التحليل التفصيلي للشروع في الجريمة يوضح لنا مدى العلاقة الوثيقة بينه وبين الجريمة المستحيلة دون أن نعني أن الجريمة المستحيلة هي جزء من نظرية الشروع بل نجزم بأن نظرية الجريمة المستحيلة مستقلة عن نظرية الشروع وإن تقابلت معها فى بعض النقاط.
الشروع في جريمة القتل يعني أن الجاني يقرر ويبدأ فى تنفيذ فعل أو عنصر من عناصر الركن المادي للجريمة ولكن لا تكتمل الجريمة (بمعنى لا تتحقق النتيجة الإجرامية ) إذا أوقف أو خاب أثر فعل الشروع لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه (مادة 30 من القانون رقم 74 لسنة 1936 ومادة 45 من قانون العقوبات المصري) وبالتالي من الواضح من تعريف الشروع فى جريمة القتل أن الجاني يقرر ويبدأ بتنفيذ فعل القتل ولكن جريمته لا تكتمل بسبب ظرف أو سبب لا يتحكم به الفاعل مما يعني أن القانون يعاقب على فعل الشروع الذي تم.
مثـــال :
حسام يدخل إلى محل تجارى بهدف شراء قميص ولكنه يقرر سرقة هذا القميص وأثناء شروعه بوضع القميص داخل حقيبته يضبطه صاحب المحل.
إذًا عدم تحقيق النتيجة الإجرامية النهائية في فعل الشروع يبدأ بعد تنفيذ فعل الشروع بينما عدم تحقيق النتيجة الإجرامية في الجريمة المستحيلة يظهر منذ البداية أي يعاصر الفعل الذي يقدم عليه الجاني .بالتالي نرى أن فى الجريمة المستحيلة المطلقة لا يتحقق أي اعتداء ضد المصلحة القانونية وهذا ما يسلم به أيضا الفقه المصري[12].
استحالة الجريمة في القتل يتعلق بموضوع الجريمة أو وسيلة تحقيقها.
عندما نشير إلى موضوع الجريمة نعني به الإنسان الحي.
مثـــال1 :
حسام يطلق الرصاص على جسد تامر الذي هو بالأصل ميت.
مثـــال2 :
حسام يطلق الرصاص ليلا بهدف قتل تامر ولكن تامر غير موجود فى المكان الذي يصوب حسام نحوه سلاحه.
مثـــال3 :
حسام يلقى تامر فى البحر لإغراقه ولكن تامر فى الأصل ميت.
كذلك قد ترجع استحالة جريمة القتل بسبب الوسيلة التى يستخدمها تامر لتنفيذ وتحقيق النتيجة الإجرامية.
مثـــال1 :
حسام يلقى أسبرين في كأس تامر لقتله.
مثـــال2 :
نرجس تريد قتل زوجها توجه نحوه مسدس هو عبارة عن لعبة أطفال بلاستيكية.
بالنسبة للجريمة المستحيلة فهي إما أن تكون مطلقة أو نسبية لذلك يقر التشريع الجنائي المعاصر على عقاب الفاعل فى الجريمة المستحيلة النسبية على أساس الخطر الذي قد يقع ولا يحدث إلا بمحض المصادفة , أما الجريمة المستحيلة استحالة مطلقة فلا عقاب عليها حيث يكون خطر وقوعها منتفيا لأنها يستحيل أن تقع مهما كانت الظروف. تكون الجريمة المستحيلة استحالة مطلقة فى حالة انعدام موضوع الجريمة.
مثـــال :
إطلاق النار على جثة هامدة اعتقادا من الجانى بأن المجنى عليه نائم.
كذلك تكون الجريمة مستحيلة استحالة مطلقة فى حالة استخدام وسيلة قتل غير قادرة بشكل مطلق على احداث النتيجة الاجرامية .
مثـــال :
وضع ملح في كـأس الشاي.
أما بالنسبة للجريمة المستحيلة استحالة نسبية فتعبر عن حالة تعرض المصلحة القانونية موضوع الجريمة (حياة الإنسان) إلى خطر ولكن دون تحقيق النتيجة الإجرامية.
مثـــال :
حسام يريد قتل تامر يدعوه لشرب كأس عصير ويدس به السم. تامر لم يحضر بسبب اتصال طارئ.
أيضا قد تستحيل الجريمة استحالة نسبية بسبب الوسيلة المستخدمة من الجاني في تحقيق النتيجة الإجرامية.


مثـــال :
حسام يستعمل جرعة بسيطة جدا من السم لقتل تامر ولكن هذه الجرعة لا يمكن أن تحدث النتيجة الإجرامية.
القانون يعاقب على الجريمة المستحيلة استحالة نسبية بسبب موضوع الجريمة أو الوسيلة المستخدمة فى تحقيق النتيجة الإجرامية بينما لا يعاقب الفاعل فى الجريمة المستحيلة استحالة مطلقة سواء بسبب الموضوع أو الوسيلة لعدم تشكيل أي نوع من الخطر على المصلحة القانونية التى تتعلق بحياة الإنسان.

2. النتيجــة الإجراميـــة

أ. موت المجني عليه :
القتل يعني لغويا إزهاق روح الإنسان وهي النتيجة الإجرامية التي تتحقق فيها جريمه القتل ويعتبر الإنسان ميتا في حالة توقف قلبه عن العمل وتنفسه بشكل تام ونهائي لا عودة فيه[13].
موت الإنسان قد يترتب على النشاط الإجرامي للفاعل وبمجرد حدوث أو تنفيذ الفعل ولكن من الممكن أيضا أن يتراخى الموت من ناحية الزمن بمعنى تحقيق الموت بعد فترة طويلة من الزمن ومنذ اللحظة التي تم فيها الفعل الإجرامي. هذا التراخي الزمني في تحقيق النتيجة الإجرامية لا يؤثر في مسئولية الجاني عن قتل عمد ما دام يتوفر القصد الجنائي و علاقته السببية بين الفعل الإجرامي والنتيجة الإجرامية المتمثلة في الموت.


مثـــال :
حسام يطعن تامر عدة طعنات بالسكين وعلى أثر ذلك يتم نقله إلى مستشفى الشفاء حيث يفارق الحياة بعد ثلاثة أيام.
الوفاة الناتجة عن تحقيق النشاط الإجرامي لفعل القتل لها أهمية للمسائل التالية :
1. نتيجة الفعل الإجرامي الذي يتكون منه الركن المادي لجريمة القتل هي التي تحدد لنا الفرق بين جريمة القتل التامة والشروع في القتل. هكذا عندما تتحقق النتيجة الإجرامية في جريمة القتل وهي وفاة المجني عليه عندئذ نكون بصدد جريمة قتل تامة بينما عندما ينفذ الجاني بعض عناصر الركن المادي لجريمة القتل ولا تتحقق نتيجة النشاط الإجرامي أي الوفاة نكون بصدد شروع في جريمة قتل.
2. كذلك تلعب نتيجة النشاط الإجرامي في جريمة القتل دورا مهما في تقييم قصد الجاني إذا كان يتجه نحو تحقيق موت المجني عليه أم لا. فإن اتجهت إرادة الفاعل الإجرامية نحو تحقيق نتيجة الموت نكون بصدد جريمة قتل عمد أما إن لم تتجه هذه الإرادة الإجرامية نحو تحقيق موت المجني عليه وإن ترتب على فعله موته بسبب إهماله أو رعونته نكون بصدد جريمة قتل بالخطأ.
3. النتيجة الإجرامية في جريمة القتل تلعب دورا مهما في تحديد تطبيق النصوص الجزائية من حيث الزمان والمكان.
أخيرا يتم تحديد وإثبات الوفاة بشتى الطرق الفنية وخاصة بمساعدة الطب الشرعي وعلماء الإجرام بإشراف من النيابة العامة.
ب. عدم تحقيق النتيجة الإجرامية في جريمة القتل :
الجاني يسعى ويهدف من خلال تنفيذه الركن المادي لجريمة القتل تحقيق النتيجة الإجرامية التي تشير إلى موت أو قتل المجني عليه ولكن كثيرة هي الحالات التي يبدأ الفاعل فيها في تنفيذ فعله الإجرامي بهدف القتل ولكن لسبب ما لا يؤدي هذا الفعل إلى تحقيق الغاية المتمثلة بإزهاق روح المجني عليه وبالتالي نكون بصدد شروع في جريمة قتل.
بالطبع تحديد بداية فعل الشروع تتطرق إليه نظريات الشروع التي نحللها في القسم العام من قانون العقوبات وفقا للمادة 30 من القانون رقم 74 لسنة 1936.

ج. الاشتراك في جريمة القتل :
قد تتحقق النتيجة الإجرامية في جريمة القتل "أي الوفاة" من شخص واحد بمعنى أن الأخير ينفذ عناصر الركن المادي للجريمة التي يترتب عليها موت المجني عليه دون مساهمة من أي شخص آخر، ولكن المشاكل تظهر عندما يساهم شخص آخر أو آخرون في تحقيق النتيجة الإجرامية في جريمة القتل، ونطرح التساؤل ما هو حجم ونوع اشتراك الآخرين في الجريمة ؟ بمعنى كيف نحدد علاقتهم بالنتيجة الإجرامية ؟
بداية نعترض على طرح مسألة تعدد الجريمة بتعدد المساهمين كما يطرحه بعض فقهاء القانون الجنائي في مصر[14] حيث أن اشتراك عدة أشخاص في تحقيق النتيجة الإجرامية لا يترتب عليه تعدد الجرائم ولكن تعدد المشتركين، وذلك يعود لأن المصلحة القانونية التي يعتدي عليها المشتركون في الجريمة هي واحدة وبالتالي لا يعقل أن يملك الإنسان أكثر من حياة يمكن ازهاقها عدة مرات بل حياة الإنسان التي يعتدي عليها المشتركون لإزهاقها تفقد وجودها مرة واحدة مهما تعدد المشتركون ولذلك جريمة القتل واحدة ولا تعدد ولكن قد يسأل كل مشترك عن جريمة قتل تتعلق بنفس المصلحة القانونية.
وفقا للقواعد العامة التي تنظم ظاهرة الاشتراك في الجريمة كل شخص يحقق عنصر من عناصر الركن المادي لجريمة القتل يعتبر فاعلا رئيسيا ويسأل كفاعل جريمة قتل في حالة توافر الركن المعنوي، وإذا ساهم المشترك بمساعدة الفاعل الرئيسي بتنفيذ نشاطه الإجرامي الذي أدى إلى تحقيق نتيجة الموت وكانت مساهمته مباشرة أي وضعت المصلحة القانونية في موقع تصرف مباشر من قبل الفاعل الرئيسي عندئذ يعاقب بنفس عقوبة الفاعل الرئيسي.
كذلك الأمر بالنسبة للمحرض الذي يتسبب في إحداث قرار لدى الفاعل الرئيسي بتنفيذ جريمة القتل يكون مسئولا عن جريمة قتل بالتحريض ويعاقب بنفس عقوبة الفاعل الرئيسي، وأخيرا إذا نفذ أكثر من شخص عناصر الركن المادي لجريمة القتل فكل واحد منهم يسأل عن جريمة قتل. بالتالي صورة الاشتراك التي تعبر عن تعدد جناة في جريمة قتل بدرجة فاعل أصلي هي الاتفاق الجنائي الذي وفقا له يقرر أكثر من فاعل (سواء قبل البدء في تنفيذ فعل القتل أو بعده) تحقيق عناصر الركن المادي لجريمة القتل والتحريض والمساهمة المباشرة كل هذه صور اشتراك تؤدي إلى فرض عقوبة ضد المشتركين تتساوى مع عقوبة الفاعل الأصلي لجريمة القتل.

3. رابطــة السببيــة :  
القتل هو عبارة عن ازهاق روح لإنسان حي. القانون يشترط لاكتمال الركن المادي لجريمة القتل أن يتوفر بين الفعل الاجرامي ( أو الامتناع ) الذي ينفذه الجاني وبين النتيجة الإجرامية التي يحققها بفعله (أو امتناعه) رابطة سببية ، بمعنى أن يكون الموت هو عبارة عن النتيجة الإجرامية  التي ترتبت على فعل الجاني.
هنالك حالات لا يصعب فيها تحديد هذه الرابطة السببية بين النتيجة والفعل وإثبات أن موت المجني عليه وقع جراء فعل الجاني.
مثـــال1 :
حسام يطعن تامر عدة طعنات أمام المارة مما يؤدي إلى موته.
مثـــال2 :
حسام يطلق الرصاص على تامر بشكل مباشر ويرديه قتيلا.