الأحد، 1 ديسمبر 2013

جريمة القتل الخطأ


تمهيد :
تناولنا في الفصل السابق دراسة الأحكام العامة التي تتعلق بجرائم القتل بجميع صوره العمدية وهذه الأحكام بالطبع تسري علي جرائم القتل الخطأ بحيث تتطلب كقيامها نشاطا إراديا ينبع من الجاني ويتجسد بفعل القتل ونتيجة إجرامية محددة تترتب علي هذا الفعل الإجرامي ( الوفاة ) وتوفر رابطة سببية بين الفعل الإجرامي والنتيجة الإجرامية .
وفقا لما سبق جريمة القتل الخطأ تتميز عن جريمة القتل العمد فقط فيما يتعلق بالركن المعنوي حيث أن جريمة القتل العمد تأخذ وتستند إلي صورة القصد الجنائي ( إرادة إجرامية وعلم ) بينما جريمة القتل الخطأ يتخذ ركنها المعنوي صورة الخطأ . تفصيلا الركن المادي لجريمة القتل العمد وجريمة القتل الخطأ يتحد من حيث عناصره ( الفعل الإجرامي وموضوع الجريمة الإنسان الحي والنتيجة الإجرامية المحددة وهي الوفاة ) ولكن وجه الاختلاف بين الجريمتين يكمن في الركن المعنوي .
بذلك بينما يشترط القانون لقيام جريمة القتل العمد توفر إرادة تحقيق الفعل الإجرامي وعلم الفاعل بعناصر الركن المادي وشأنها بإحداث النتيجة الإجرامية , نري أن قيام جريمة القتل الخطأ يستند إلي تحقيق فعل يؤدي إلي أحداث نتيجة إجرامية ( إزهاق الروح) دون علم الفاعل أو توجه إرادته نحو تحقيق فعل من شأنه أن يترتب عليه الوفاة ويرجع عدم العلم هنا إلى انعدام قدرة الفاعل على توقع النتيجة الإجرامية جراء عدم الانتباه والإهمال وعدم اتخاذ إجراءات الحيطة اللازمة لتفادي وقوع النتيجة الإجرامية رغم أن الفاعل كان بإمكانه تفادي جميع هذه الظروف التي أدت إلى تحقيق نتيجة القتل[1].
هكذا تتألف جريمة القتل الخطأ من ركنين : الركن المادي الذي يتكون من نشاط الفاعل ( فعل أو امتناع عن فعل ) وموضوع الجريمة هو إنسان حي والنتيجة الإجرامية ( وفاة المجني عليه )  , والركن المعنوي الذي يشير إلى الخطأ .
فيما يلي سنتناول دراسة الركن المعنوي لجريمة القتل الخطأ ولا حاجة لدراسة الركن المادي وذلك لأن الركن المادي لجريمة القتل الخطأ يتطابق والركن المادي لجريمة العمد ولقد تناولنا دراسة الركن المادي في الفصل الذي خصصناه لدراسة جريمة القتل العمد . القانون رقم 74 لسنة 1936 ينص على جريمة القتل الخطأ في المادة 218 .









الركن المعنوي لجريمة القتل الخطأ
مضمون الخطأ:
لا يتطرق القانون بشكل عام إلي تعريف الخطأ ولكنه يشير إلي بعض صوره مثل الإهمال وعدم اهتزاز وعدم الاكتراث وعدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة . من الواضح أن القانون يعطي للخطأ معني واحد حتى ولو تعددت صوره أو تم ذكر بعض منها علي سبيل المثال لا الحصر وذلك لأن جوهر الخطأ واحد ولا يختلف باختلاف الجرائم المقترفة من المجرمين .
المضمون والجوهر الأساسي للخطأ هو النشاط ( فعل أو امتناع عن فعل ) الذي يحمل معه خطر وقوع نتيجة يمنعها القانون إما لخمول في إدراك الجاني ( وعين) يؤدي إلي منعه من التنبؤ بالخطر وإما لإغفاله وعدم اتخاذه ما كان يجب عليه اتخاذه من أجل منع تحول الخطر إلي واقعة ملموسة رغم أنه كان باستطاعته التنبؤ بذلك والحيلولة دون وقوع النتيجة . الفاعل بالتالي لا يدرك ولا يعي ماذا يحدث ولا يريد بالطبع أن يحدث الذي حدث ولكنه بسبب إهماله وإغفاله وعدم انتباهه .
بداية يشترط القانون إرادة الجاني التي تتجه نحو تنفيذ الفعل أو الامتناع الذي يترتب عليه إحداث نتيجة الوفاة . في هذه النقطة تحديدا يتطابق فعل القتل العمد مع فعل القتل الخطأ ولذلك في حالة عدم توفر هذه الإرادة بإحداث أو تنفيذ الفعل أو الامتناع عن الفعل عندئذ لا يمكن أن تقوم مسئولية جنائية سواء في جريمة القتل العمد أو سواء في جريمة القتل الخطأ[2].
بينما كي يسأل عن جريمة قتل عمد يشترط القانون توفر قصد عام وقصد خاص يشير إلي نية القتل يشترط أن لا يتوافر هذا القصد بنوعيه في جريمة القتل الخطأ لدي الجاني أو علمه بأمر من شأن نشاطه أن يؤدي إلي وفاة المجني عليه .
في جريمة القتل الخطأ الفاعل لا يوجه إرادته نحو تنفيذ فعل يعلم أن من شأنه أن يؤدي إلي تحقيق النتيجة الإجرامية وهي إزهاق روح المجني عليه ولكن بكل بساطة قام بهذا النشاط وهو لم يكن يعلم بخطورة فعله علي حياة الإنسان (خطأ بسيط) أو كان يعلم بأن فعله قد يؤدي إلي إحاطة حياة الإنسان بالخطر ولكنه استمر بفعله متأملا أنه سيتجنبه ولكن لا يريده بأي حال من الأحوال (الخطأ المعلوم أو المدرك)[3].
بالتالي الخطأ البسيط في جريمة القتل يعني أن الفاعل عندما بفذ فعله لم يكن يعلم بأن هذا الفعل من شأنه تشكيل خطر علي حياة الإنسان ومن شأنه إحداث حالة الوفاة .
مثــال :
الأم التي تضع في المطبخ زجاجة مليئة بمادة الكلور ولا تعلم بأن ابنها الصغير سيشرب منها لأنه يعتقد أنها زجاجة تحتوي علي ماء ففي هذه الحالة ينتفي علم الأم بأي درجة من درجاته بأن فعلها ينطوي عليه خطر علي حياة ابنها .
هكذا يتضح لنا جوهر الخطأ البسيط حيث أن الفاعل لا يعلم بتاتا بأن فعله يخلق خطرا أو أي نوع من الخطر علي حياة الإنسان وعدم العلم هذا يعود إلي خمول في إدراكه ووعيه ترتب عليه عدم توقعه للنتائج التي قد تحدث جراء فعله . بالتالي الفاعل لا يعمل علي إبداء الانتباه والعناية الضرورية من أجل تجنب حدوث الفعل ونتيجته رغم أنه كان من الممكن أن يبدي هذا الانتباه .
أما الخطأ المعلوم أو الواعي فيشير إلي حالة الفاعل التي ينفذ فيها فعلا بشكل إرادي وخطر يترتب عليه حدوث وفاة المجني عليه . هنا الفاعل يقدم علي إحداث الفعل الخطر وهو يعلم بأن من شأنه أن يشكل خطرا علي حياة الإنسان ولا يتخذ الإجراءات اللازمة والضرورية للحيلولة دون حدوث الفعل والنتيجة لأنه يعتقد أنه يستطيع أن يتجنب حدوث النتيجة . بالتالي الفاعل ينشط ويعلم بالخطورة ولكنه لا يريد ولا يقبل بالنتيجة بل ويتوقع أنه سيتجنبها . هذا ما يقر به الفقه الجنائي اليوناني وكذلك يأخذ به المصري ومن الواضح أن تفسير المادة 218 من القانون رقم 74 لسنة 1936 يؤكد علي التطابق مع هذه الآراء الفقهية الجنائية حول مسألة الخطأ المعلوم أو الواعي.
مثـــال :
حسام يتنزه بسيارته علي شاطئ بحر غزة . يريد أن يجتاز بسيارته سيارة أخري تسير أمامه ببطء . حسام يري أن في المقابل تأتي سيارة أخري ولكنه يصر علي تجاوز السيارة التي أمامه عالما بأن فعله قد يؤدي إلي اصطدامه بها وتشكيل خطر علي حياة الناس ويتأمل بأن يتجنب الاصطدام . حسام يتجاوز السيارة ويصطدم بالأخرى مما يؤدي إلي وفاة أحد ركابها .
بالتالي نرى أن جوهر الخطأ المعلوم "الواعي " يتمحور حول علم الجاني بخطورة فعله وعدم اتخاذه الحيطة لتجنب هذا الخطر وهذا يكمن جوهر عقاب الفاعل في جريمة الخطأ المعلوم " الواعي " الذي سنتطرق إلى حجم عقوبته فيما بعد .
نلفت الانتباه إلى أن الفاعل في جرائم العمد بصورتيه تتوفر لديه نية إجرامية تتجه نحو تنفيذ الفعل الإجرامي بهدف إحداث النتيجة الإجرامية المتعلقة بوفاة المجني عليه بينما في حالة القتل الخطأ تنعدم فيه نية القتل بشكل تام بل وتنعدم إرادة الجاني نحو تنفيذ فعل من شانه إحداث النتيجة الإجرامية بل الفاعل يريد تنفيذ فعل لا يعلم أن من شانه إحداث النتيجة أو يعلم بذلك ولكنه لا يقبل بها ولا يريدها ويتأمل في تجنبها . 
 وهنا يجب أن نميز بين القصد الاحتمالي وبين الخطأ المعلوم حيث أن الفاعل في القصد الاحتمالي يعلم أن من شان فعله الإجرامي أن يحقق إحداث النتيجة الإجرامية ويتوقعها ويقبل باحتمالية حدوثها بينما في الخطأ المعلوم الجاني يفعل ويتوقع ويعلم بإمكانية حدوث النتيجة الإجرامية ولكنه لا يريدها ولا يتقبلها وتصل درجة العلم هذه إلي ادني درجات العلم .
مثـــال قصد احتمالي :
حسام يريد قتل تامر , تامر يمر بسيارته من أمام منزل حسام فيقوم الأخير بتوجيه سلاحه نحوه ويطلق الرصاص نحوه , حسام يدرك أن بجانب تامر يجلس أيضا صديقه جمال ورغم ذلك يتمر بتنفيذ فعله وهو يعلم بأنه يمكن أن يصيب صديقه وان يترتب علي ذلك جرحه أو وفاته ويقبل باحتمالية إحداث هذه النتيجة.
مثـــال خطأ معلوم :   
تامر يدعو صديقه حسام لحضور حفل زفافه . حسام يأتي ومعه مسدس وأثناء رقص المدعوين ينهض ويبدأ بإطلاق الرصاص من مسدسه كتحية وتعبير عن فرحه لصديقه .حسام يعلم أن هنالك أشخاص وفتيات تسترق  النظر من أسطح المنازل المجاورة ولكنه يعتقد أن الرصاص لن يصيب أحد ويأمل في تجنب ذلك .ولكن أحد رصاصاته تجد أحد الفتيات بمقتل . نلاحظ أن حسام يعي ويتوقع ولكنه لا يريد ويأمل في أن يتجنب حدوث النتيجة الإجرامية ( الوفاة ) .


مقياس الخطأ
أهمية تحديد إطار معين للخطأ تكمن في أنه ليس بمجرد وقوع الجاني في غلط بشأن قدرة فعله في إحداث النتيجة الإجرامية نعتبر أنه اقترف جريمة ولكن أيضا تكمن أهمية تحديد إطار معين للخطأ في سببين : السبب الأول كون الخطأ لا يتحقق بمجرد وقوع الجاني في غلط بشأن قدرة فعله على إحداث النتيجة الإجرامية والسبب الثاني يرجع إلى كون الغلط كان على الجاني تجنبه .
بالتالي الشرط الأول لانتفاء مسئولية الجاني مسئولية عمدية يستوجب انتفاء علم الجاني بمقدرة فعله على إحداث الوفاة أو توفر علم يصل إلى أدنى درجاته بمعنى علم الجاني بإمكانية فعله إحداث النتيجة الإجرامية واستمراره بإتيان الفعل أملا بتجنب النتيجة أو عدم حدوثها . بالتالي مسئولية عمدية تعني علم يقيني أو توقعي وقبول بالنتيجة الإجرامية بينما مسئولية غير عمدية ( خطأية ) تعني انتفاء علم بشكل تام أو علم توقعي في أدني درجاته مع أمل بتجنب النتيجة أي عدم قبولها أيضا في حالة حدوثها .
مثـــال انتفاء علم بشكل عام :
حسام يقود سيارته في أحد شوارع وفجأة يحدث عطل في السيارة يفقده السيطرة عليها مما يؤدي إلى اصطدامه بأحد المارة ووفاة الأخير .
مثـــال انتفاء علم الجاني بشكل جزئي :
حسام يحفر بئرا عميقة و يهمل إغلاقها أو وضع إشارة تنبيه في الشارع الذي قام بحفره فيه . حسام يعلم بأنه من الممكن أن يسقط في البئر شخص ما ولكنه يتأمل في أن لا يحدث ذلك .
تأخذ معظم التشريعات الجنائية بمقياس الرجل العادي المتوسط في حذره وانتباهه من أجل تحديد الخطأ, بالتالي إذا أمكن لهذا الرجل العلم بمقدرة الفعل على إحداث النتيجة الإجرامية توفر الخطأ ووقعت مسؤولية الجاني الخطأية أو الغير عمدية[4]. أيضا يجب التسليم بأن الشخص يسأل عن جريمة غير عمدية ( خطأية ) وفقا لظروفه ومميزاته الخاصة به ومستوي تعليمه وثقافته وخبراته الشخصية .
مثـــال :
مهندس معماري , طبيب , مهندس ميكانيكي , رجل إطفائية , رجل شرطة .

صور الخطأ

تنص المادة 218 من القانون رقم 74 لسنة 1936 على أن " كل من تسبب في موت شخص آخر بغير قصد من جراء عمله بعدم احتراز أو حيطة أو اكتراث عملا لا يبلغ درجة الإهمال الجرمي , ...... الخ " .
نستنتج من النص أن المشروع يشير إلى ثلاثة صور تصقل وتجسد الخطأ وهي عدم الاحتراز أو الحيطة أو الاكتراث . وفي المقابل تنص المادة 238 من قانون العقوبات المصري على أن صور الخطأ هي الإهمال و الرعونة و عدم الاحتراز وعدم مراعاة القوانين والقرارات واللوائح والأنظمة . رغم إشارة المشرع إلي هذه الصور من الخطأ إلا أن جميعها تعتبر عن ظاهرة خطأ كما قمنا بتحليلها سابقا أي الخطأ الذي يعبر عن غلط الفاعل في مواجهة الأحداث أو عدم علمه ( التام أو الجزئي ) بعناصر الركن المادي لجريمة القتل الخطأ .
الغلط يعني إما أن الفاعل لا يعلم بتاتا بأن فعله من الممكن أن يحدث نتيجة الوفاة وإما أنه يعلم ( بأدنى درجة العلم ) ولكنه يأمل في تجنب النتيجة الإجرامية وهنا يمكن غلط الفاعل . هذا الغلط يقدم على مخالفة الفاعل لقواعد السلوك الإنساني التي يتوجب على عامة الناس أن يتبعوها و أن يتخذوا درجة " الحيطة والحذر " . لا شك بأن هذه القواعد إما أن تنبع من قاعدة اجتماعية تستمد من الخبرة الإنسانية وإما أن تكون قانونية ترجع إلى القوانين واللوائح و الأنظمة مثل المصانع و المقاولون والمطاعم الذين تحكمهم لوائح نظامية تفرض عليهم اتخاذ إجراءات الحيطة و الحذر والاعتناء .
بالتالي السلوك الإنساني يخضع للقواعد السابقة كل حسب نوعها ويتوجب على كل فرد أثناء قيامه بسلوك معين اتخاذ درجة الحيطة والحذر واتخاذ الإجراءات اللازمة لتجنب الخطأ الذي قد ينم عن سلوكه في حالة عدم اتخاذه الاحتياطات اللازمة وبالتالي الإهمال و الرعونة و عدم الاكتراث والحيطة و الحذر ومخالفة القوانين واللوائح النظامية تؤدي جميعها إلى وقوع الخطأ .
الإهمـــال :
يعبر الإهمال عن عدم اتخاذ الفاعل مسلك تتطلبه قواعد الخبرة الإنسانية العامة بهدف الوقاية من حدوث نتيجة مضرة قد تترتب على هذا المسلك .
مثـــال 1 :
حسام يملك بيتا قديما ويقرر هدمه . حسام لا يتخذ إجراءات الحيطة التي تكفل حماية المارة جراء الهدم .



مثـــال 2 :
حسام صاحب ورشة تصليح سيارات و تامر يعمل موظفا لديه. حسام يطلب من العامل تامر بالنزول تحت السيارة دون أن يتخذ الإجراءات و الاحتياطات اللازمة لتأمين سلامة المارة .
عــدم الحيطـة :  
تعني أن الفاعل لا يمتنع عن إتيان سلوك اجتماعي معين من أجل عدم وقوع نتيجة القتل .
مثـــال 1:
الأم تمتنع عن وضع ابنها الرضيع في سريره تنام وتنقلب عليه فتصيبه إصابة قاتلة .
مثـــال 2 :
شرطي المرور الذي يعطي الإشارة للسيارة بالانطلاق رغم مرور سيارة أخرى في الجهة المقابلة مما يؤدي إلى اصطدامهما وحدوث حالة وفاة .
مثـــال 3 :
حسام يقود سيارته بسرعة فائقة في شارع مزدحم بالسكان مما يؤدي إلى اصطدامه بأحدهم وقتله .
الرعونــة :
وهو قيام الفاعل بسلوك أو الامتناع عنه دون مراعاة الاحتياطات التي ترسمها القواعد الفنية . الاختلاف بين الرعونة من جهة وبين الإهمال وعدم الحيطة يستند إلي القاعدة التي يتحقق بها الخطأ حيث أن الرعونة تتحقق بمخالفة قاعدة فنية بينما الإهمال وعدم الحيطة فيتحقق جراء مخالفة القواعد العامة كما أشرنا سابقا .
مثـــال 1 :
الطبيب الذي يجري عملية جراحية دون مراعاة القواعد الفنية المتعارف عليها .
مثـــال 2 :
المهندس الذي يخطئ في تكوين الاسمنت الذي يتركب منه البلكون فيسقط على المارة ويقتل أحدهم .
أخيرا قد ينشأ الخطأ عن مخالفة اللوائح النظامية والقوانين التي تضعها السلطة لعمل المنشآت والهيئات والأجهزة العامة مثل الإطفائية والمصانع والشرطة . مخالفة اللوائح هذه تعتبر أحد صور الخطأ الخاص حيث تقدم مسئولية الفاعل بمجرد حدوث النتيجة الإجرامية .
درجة الخطأ الجنائي :
يقبل الفقه الجنائي المصري بعدم أهمية درجة الخطأ الجنائي ويسلم بأنه بمجرد وقوع النتيجة الإجرامية جراء الخطأ أي كان نوعه تتجسد وتقع بمسؤولية الفاعل الجنائية . نحن نري أن الخطأ المعلوم يختلف عن الخطأ الغير معلوم حيث أن الفاعل في الخطأ المعلوم يعلم بأن فعله من الممكن أن يحدث النتيجة ولكنه لا يقبل بها ويتأمل في تجنبها بينما في الخطأ الغير معلوم الجاني لا يعلم بتاتا جراء عدم حيطته أو إهماله أو رعونته وبالتالي يجب عقاب الفاعل الذي يرتكب جريمة قتل خطأ والذي تتوفر لديه درجة الخطأ المعلوم بعقوبة أشد من تلك التي تفرض ضد فاعل جريمة القتل الخطأ الناشئة عن الخطأ الغير معلوم .
إثبــات الخطأ :
الجرائم العمدية تنبني على الخطأ الذي يقترفه الفاعل وبالتالي يتوجب إثبات هذا الخطأ وإقرانه بدليل يثبته . مسؤولية الفاعل ترتكز إلى قاعدة موضوعية تشير إلى الأحداث التي حصلت والتي من شأنها أن تساعد هيئة المحكمة في استخلاص الصورة الصحيحة للواقعة . المحكمة تحاول كشف الستار عن وقائع الحادث وكيفية حدوث الخطأ وموقف كل من المتهم والمجني عليه وقت وقوع الحادث ورابطة السببية التي تشترط إسناد النتيجة الإجرامية إلى خطأ الفاعل .

                                          عقوبة القتل الخطأ
تنص المادة 218 من قانون رقم 74 لسنة 1936 علي لن ده كل من تسبب في موت شخص أخر بغير قصد من جراء عمله بعدم احتراز او الحيطة او اكتراث عملا لا يبلغ درجة الإهمال الجرمي يعتبر انه ارتكب جنحه ويعاقب بالحبس مدة سنتين او غرامه قدرها مئة جنيه .
وفقا للنص فإن جريمة القتل الخطأ جنحه لا يتجاوز حد عقوبتها عن سنتين او غرامه ماليه قدرها مئة جنيه .
جرائم الايذاء
الاعتداء علي سلامة البدن 
جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة
تمهيد :
يشتمل القانون رقم 74/1936 علي جرائم الايذاء في الفصل الخامس والعشرين تحت عنوان ."الجرائم التي تعرض الحياة او الصحة للخطر" المواد من 233 الي 251 . بالتحديد تنص المواد 253 و238 و 244 و 249 و 250 و 251 علي جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة حيث بهذه الأفعال الاجرامية يعتدي الفاعل علي حق الإنسان في سلامة جسده بشكل متعمد ونستنتج من هذه النصوص ان الشرع نوع في العقوبة حسب درجة الاعتداء وجسامة الايذاء الذي يقع علي المجني عليه فإما ان تكون الجريمة بسيطة وبالتالي تعتبر الجريمة جنحة وإما ان تكون النتيجة الاجرامية جسيمة وبالتالي يشدد العقاب وتتصف الجريمة وترتقي الي جناية .
كذلك اعتبر المشرع ان اعطاء المواد الضارة يقع ضمن أفعال الايذاء بالمعني الواسع وذلك عندما جرم فعل اعطاء المواد الضارة في المادة 240 والمادة 241 فقره *** والمادة 243 . يستنتج من المادة 243 ان المشرع يشير الي جرائم الايذاء الغير عمدية أخيراُ تنص المادة 249 علي فعل الاعتداء البسيط .
فيما يلي سنقوم بدراسة الأحكام العامة التي تتعلق بجميع جرائم الايذاء والتي تتعلق بالقصد الجنائي ثم سنتناول دراسة جرائم الايذاء العمدية والغير عمدية .
الأحكام العامة في جرائم الضرب والجرح
وإعطاء المواد الضارة
أ_ الركن المادي:_
تتميز جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة بأنها تشترك في الركن المادي بمعني ان ركنها المادي يتألف من نفس العناصر سوء كانت هذه الجرائم عمدية أم غير عمدية , جناية أم جنحه .
تتجسد جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة والاعتداء علي سلامة جسد الإنسان وبالتالي عناصر الركن المادي لهذه الجرائم تشير الي اربع نقاط : الفعل الاجرامي الذي يقع من الفاعل علي امجني عليه وموضوع الفعل الاجرامي وهو جسد المجني عليه , والنتيجة الاجرامية التي تقع علي المجني عليه , وكما في جميع الجرائم علاقة سببية تربط بين الفعل الاجرامي والنتيجة الاجرامية . فيما يلي سنتناول هذه العناصر بالتفصيل .
فعل الاعتداء على جسد المجني عليه :- الخطأ عن مخالفة اللوائح النظامية والقوان
الاعتداء على سلامة جسد الإنسان يتجسد بفعل إجرامي يصدر عن الجاني ولقد تطرق القانون رقم /1937 الى استعمال بعض المصطلحات التي تدل على الاعتداء ومن هذه الأفعال الجرح " مادة 235 فقرة ا " وإعطاء المواد الضارة "240 و 241حدهم اأـ والضرب او اللطم او الدفع " 248 " والاعتداء والأذى " 250 " بالتالي لا تقع اى جريمة من جرائم الاعتداء على جسد الإنسان إلا إذا تحقق فعل إجرامي على شكل الضرب او الجرح او التعدي او إعطاء المواد الضارة . اختلاف مضمون هذه الأفعال يستوجب توضيح معنى كل فعل منها كي نستطيع إخضاع الوقائع الي نص جريمة الاعتداء السليم .
ا_ الجرح :
نصت المادة 235 فقرة اعلي فعل الجرح ونقصد به كل فعل " او إقناع " يؤدى الى احداث " تمزيق أنسجة جسد " المجني عليه , بالتالي الجرح يعني حتماً تقطيع أ فك أنسجة جسم المجني عليه وإحداث شرخ في اتصالها وترابطها ( د. محمد زكي أبو عامر ص590 ) .
أما إذا حدث أي ضرر آخر بجسد المجني عليه فلا تتحقق جريمة الجرح بل جريمة أخرى قد تكون ضرب أو إيذاء ولكن لا يمكن بأية حال من الأحوال أن نعتبرها جريمة جرح .
وفقاً لتعريف الجرح الذي يتأسس على قاعدة "تمزيق الأنسجة" تندرج الكسور والحروق والتسلخات والقطوع والكدمات ضمن أشكال وطرق تحقيق فعل الجرح . أيضاً يقر الفقه بأنه لا عبرة في حجم نوع الجرح الذي يحدثه الفاعل في جسد المجني عليه فقد يكون سطحياً وعميقاً مثل إصابة بطلق ناري أو طعنة سكين أو خنجر أو جرح جراء حجر أو عصا التي تحدث رضوضاً , كذلك قد يكون الجرح قد أصاب أنسجة داخلية تحيط ببعض الأجهزة الداخلية لجسد الإنسان مثل الكبد أو الأمعاء أو المعدة , ومن أهم النقاط التي يتوجب الانتباه إليها هو أن القانون لا يشترط انبثاق الدم من الجرح فقد يكون النزيف داخلياً يحدث في باطن الأنسجة ويترك أثراُ يتغير فيه لون الجلد فقط . وأخيراً فيما يتعلق بمفهوم الجرح لا يشترط القانون استعمال آلة محددة لإحداثه بل يمكن تحقيقه بجميع الوسائل وشاملة إحداثه باليدين دون استعمال وسيلة .
أمثلة : ركلات بالأرجل , لكمة باليدين , طعنة بالسكين أو الخنجر أو رمي بالحجارة أو العصا ( رضوض).
ب- الضرب :
تنص المادة 248/74-1936 على فعل الضرب الذي يحقق جريمة الاعتداء على سلامة جسد الإنسان ويعرف الضرب بأنه فعل " ضغط على أنسجة المجني عليه " وبالتالي الضرب هو كل فعل من شأنه احداث ضغط على أنسجة المجني عليه ويشترط في الضرب أن لا يحقق تمزيق في أنسجة المجني عليه وإلا سيتحول من فعل ضرب الى فعل جرح .
العلة في تجريم الضغط على جسد المجني عليه ترجع الى الإعاقة للحالة الطبيعية للجسم التي يسببها هذا الضغط وما ينجم عنه من ألم دون أن يكون بالطبع تحقيق الألم كشرط لوقوع جريمة الضرب بل يكفي أن يتحقق فعل الضغط على جسد المجني عليه . كذلك لا يشترط القانون أن يترك فعل الضرب أثراً بالجسد مثل الاحمرار أو الكدم أو العجز ولا يشترط القانون أيضاً أن يحدث فعل الضرب بعدة حركات بل قد ينتج عن ضربة واحدة .
مثال : لكمة أو ركلة واحدة .
يتحقق فعل الضرب بعدة وسائل ولا يشترط القانون تحقيقه بوسيلة معينة فقد يحدث بأحد أعضاء الجسم ( اليد أو الرجل أو الرأس ) أو بآلة مثل العصا أو السوط . أخيراً نشير الى أن القانون يساوي بين الضرب والجرح في تحقيق جريمة الاعتداء على سلامة جسد الإنسان .
ج- الاعتداء أو الايذاء الخفيف :
تنص كل من المادة249 والمادة 250 على حالات الايذاء دون أن تحدد لنا فيما إذا كان إيذاء خفيف أم بليغ ومن الواضح أن المشرع بالإيذاء أو الاعتداء الاعتيادي قصد الايذاء الخفيف هذا يتضح من العقوبة التي يفرضها على الجاني حيث اعتبرها عقوبة جنحة . القانون رقم 74/1936 في المواد التي تتعلق بالاعتداء على سلامة جسد الإنسان لم يحدد مطلقاً ماذا يقصد الاذي ولكن شدد عقوبة أفعال الأذى البليغ وخفف عقوبة أفعال الأذى الاعتيادي ولذلك نرى ضرورة تحديد مفهوم الأذى الخفيف والفرق بينه وبين أفعال الضرب .
من الواضح بداية أن الفرق بين جرائم الايذاء وجرائم الضرب والجرح تتحدد بناءا على وقائع الجريمة بشكل أساسي . من البديهي أن كل فعل لا يدخل ضمن إطار أفعال الضرب أو الجرح يعد فعل إيذاء وبالتالي أي فعل لا يشكل ضغطا على جسد المجني عليه ( ضرب ) أو أي فعل لا يؤدي الى تمزيق أنسجة جسد المجني عليه ( جرح ) قد يقع ضمن إطار جريمة الايذاء .
أمثلة : -
الرش بالماء ونثر الرمال والتراب على الوجه وتسليط ضوء على العينين وإطلاق موجات صوتية عالية نحو الأذن و البصق على الوجه الخ .....
مشكلة قد تنشأ حول فعل جذب المجني عليه من ملابسه فالعبرة حينئذ تكمن في درجة الجذب فإن كانت جسمية وأحدثت ضغطا شديدا وألما في جسد المجني عليه عندئذ يقترف الفاعل جريمة ضرب أما إذا كان الجذب خفيفا تكون الجريمة جريمة إيذاء خفيف , بالتالي من الواضح أن تقدير جسامة الفعل هو مسألة موضوعية تعود  الى القاضي .
مثال جريمة إيذاء خفيف :
جذب المجني عليه من ملابسه أو دفعه أو قص شعره أو كسر الأظفر .
مثال جريمة ضرب :
جذب المجني عليه وإيقاعه على الأرض أو إمساكه من عنقه .
من الملاحظ أن جميع الأفعال التي لا تلامس جسد المجني عليه بشكل مباشر لا يمكن اعتبارها جرائم ضرب أو جرح سواء أكانت هذه الأفعال مادية مثل إطلاق رصاصة من جانب جسد المجني عليه أو التلويح بأدوات أمام جسده ( بسكين أو سيف أو عصا ) أو كانت معنوية كالأقوال التي تستهدف التأثير نفسيا على المجني عليه وإحداث ضرر بجسده لأن مفهوم الضرب هو فعل مادي يتجسد بضغط على جسد المجني عليه والجرح أيضا فعل مادي يتجسد بإحداث تمزيق في أنسجة المجني عليه ( د. محمد زكي أبو عامر ص 594 ).
د. اعطاء المواد الضارة :
أخيرا فيما يتعلق بأفعال الاعتداء علي جسد الإنسان نتناول توضيح مفهوم فعل اعطاء المواد الضارة التي تطرق إليها القانون رقم 74/1936 في المادة 240 والمادة 241 فقرة ب .
بداية , نشير إلي أن الشرط الأساسي في اعتبار أن اعطاء المواد الضارة يدخل ضمن إطار جرائم الاعتداء علي سلامة جسد الإنسان التي تتحقق بالضرب أو الجرح أو الايذاء أو اعطاء المواد الضارة هو أن لا يتوفر قصد لدي الجاني بإحداث نتيجة وفاة المجني عليه وإلا دخلت هذه الجريمة ضمن إطار جرائم القتل العمدية أو الغير عمدية باستخدام المواد الضارة , وبالتالي نقبل بهذه المواد الضارة كوسيلة تحقيق جريمة القتل وهذا ما يجب أن يكون فحوي المادتين 240 و241 فقرة ب من قانون العقوبات رقم 74 / 1936 . قانون العقوبات المصري في المادة 265 يقرر بأن كل من أعطي عمدا لشخص جواهر غير قاتلة منشأ عنها مرض أو عجز وقتي عن العمل يعاقب وفقا لأحكام الضرب والجرح التي تنص عليها المواد 240و 241و 242 علي حسب جسامة ما نشأ عن الجريمة ووجود سبق الإصرار على ارتكابها أو عدم وجوده ( د. محمد زكي أبو عامر ص 594 ) .
وفقاً لما سبق لا تقوم جريمة اعطاء المواد الضارة إلا إذا كانت هذه المواد غير قاتلة ومؤدية الى عجز دائم أو وقتي . ولكن ما المقصود بالإعطاء ؟
الإعطاء هو فعل إجرامي يأتي من المجرم ويتجسد باتصال المادة الضارة بجسد الإنسان اتصالاً مباشراً بغض النظر عن كيفية الاتصال وبذلك الإعطاء لا يعني فقط تسليم المادة الضارة الى المجني عليه بل يجب أن يتم اتصال المادة بالجسد مما يترتب عليه إصابة دائمة أو وقتية .
هكذا يمكن أن يمكن أن يتجسد فعل اعطاء الجاني للمجني عليه بمناولته دواء ( في حقيقة الأمر مادة مضرة ) أ
أو بدسه المادة المضرة بالأكل أو الشراب وقد يكون فعل الإعطاء مباشرة من الجاني الى المجني عليه أو بواسطة شخص ثالث حسن النية وهذه المسألة بالطبع تشكل موضوع الاشتراك في الجريمة وتخضع لأحكام الاشتراك .
قانون العقوبات رقم 74/1936 في المواد 240 و241لا يذكر لنا ماهية المواد الضارة ولكنه ذكر فقط السم و" شيئا مؤذيا " وعلي هذا يجب أن نعتبر أن كل مادة قد تؤدي إلي احداث ضرر بجسد الإنسان تقع تحت قائمة المواد الضارة , كما أن المواد 240و241 فقرة ب لا تشير غلي جسامة الضرر . إن كان دائما أو وقفيا بل اكتفت المادة 240 بوصف الاذي علي أن يكون بليغا وبذلك قد يكون الاذي البليغ دائم وقد يكون وقتي علي عكس من قانون العقوبات المصري الذي يشير الي " مواد ضارة " في جريمة اعطاء الجواهر الغير قاتلة التي ينشأ عنها مرض أو عجز وقتي عن العمل وبذلك يعتبر المرض أو العجز الوقتي كمقياس للمواد الضارة . هذا وقد تكون هذه المواد الضارة صلبة أو سائلة أو غازية ( نباتية أو حيوانية أو معدنية ) يؤدي تناولها أو امتصاصها من جسم الإنسان الي تأثير علي الوظائف الحيوية وإعاقتها بشكل كلي أو جزئي دائم أو مؤقت .
القانون رقم 74 /1936 أصاب عندما أشار الي مواد ضارة تسبب الاذي وليست الموت وبذلك فرقها عن اعطاء المواد الضارة التي تفضي الي الموت أو يكون قصد المجرم هو قتل المجني عليه , وكذلك أحسن الشرع المصري عندما اشترط في المواد الضارة أن تكون غير قاتلة , بمعني آخر إن كان هدف الجاني هو قتل المجني عليه بإعطائه مواد ضارة يسأل عن جريمة قتل أو شروع إن لم تتحقق الوفاة بينما إن كانت نيته هي إحداث ضرر بجسد المجني عليه ولكن هذا الضرر أدي الي وفاة المجني عليه عندئذ يسأل عن جريمة إيذاء مفضي الي الموت .
كذلك مفهوم المواد الضارة لا يعني أن تكون بحد ذاتها المادة مضرة ولكن قد تكون مادة غير مضرة وإعطائها بشكل سيء أو بكمية كبيرة يؤدي الي تحقيق وإلحاق الايذاء في جسد المجني عليه مثل إعطاء المريض دواء بكمية أو جرعة أكبر من الأزمة أو إعطائه دواء غير المطلوب أو مثل اعطاء المجني عليه كمية كبيرة من المادة المخدرة , كذلك يمكن تحقيق الضرر بنقل الميكروبات أو الفيروسات الي جسد المجني عليه .
خلاصة الأمر أن جوهر قيام جريمة الاعتداء علي سلامة الجسد بإعطاء المواد الضارة يكمن في الأثر الذي يترتب علي جسد المجني عليه جراء تناول المواد الضارة بغض النظر عن كمية وكيفية إعطائها يكفي أن تؤدي الي تعطيل أجهزة الجسد تعطيلا دائما أو وقتيا بشكل كلي أو جزئي .

2-موضوع الاعتداء ( جسد الإنسان ) :
ينحدر حق الإنسان في حماية جسده من الحق الرئيسي الذي يتعلق بحماية حقه في الحياة . ويشير الحق في حماية الجسد الي الحماية من جرائم الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة ولا شك أن حماية الإنسان في جسده من أهم مقومات صحة المجتمع بأسره لأن هذه الحماية توفر الأمن للإنسان وتجعله قادرا علي أداء وظائفه ونشاطاته الاجتماعية والسياسية والدينية والثقافية وهو ينعم في إطار حماية شاملة وكلية لسلامة جسده.
من البديهي أن تتوجه أفعال الضرب والجرح وإعطاء المواد الضارة الي جسد يعود لإنسان حي وبالتالي هذا الجسد يشكل موضوع أو محل جرائم الايذاء أو الاعتداء علي جسد الإنسان وبالتالي لا يمكن أن تقع هذه الجرائم علي جسد يعود لإنسان ميت أو علي جسد حيوان دون أن يعني ذلك أ الجرائم التي تقع علي الحيوان تبقي دون عقاب .التشريعات الجنائية لا تشترط في الإنسان سوي أن يكون حيا كي يشكل موضوع اعتداء أو إيذاء ولا يشترط فيه صفة معينة أو حالة ما. وبالتالي من الممكن أن تقع جرائم الايذاء علي إنسان حي مهما كانت حالة صحته البدنية فقد يكون مريضا مرضا مزمنا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة أو حتي علي وشك الموت أو وزيرا أو رئيسا أو مسلما أو كافرا , يكفي أن يكون إنسان حي . كذلك يجب أن يقع فعل الايذاء أو الاعتداء علي شخص آخر حي وليست علي نفس جسد الشخص الذي يقترف الفعل الاجرامي بمعني أن يعتدي شخص ما علي نفسه كمن يضرب نفسه أو من يجرح نفسه بسكين أو من يكسر رجله من أجل تجنب التزام قانوني .( د.محمد زكي أبو عامر , ص598 ).
النتيجة الاجرامية  في أفعال الايذاء :
من المعروف أن معظم الجرائم تؤدي الي نتيجة إجرامية وجرائم الايذاء او الاعتداء علي جسد الإنسان الحي تعد من الجرائم التي يترتب عليها نتيجة إجرامية حسب نوع الجريمة المقترفة , فإذا كان الفعل جرحا كانت النتيجة هي تمزيق في أنسجة الجسم وإذا كان الفعل ضربا كانت النتيجة ضغط علي الأنسجة وإذا كان الفعل اعطاء احد المواد الضارة كانت النتيجة احداث عجز دائم او وقتي . وفقا لما سبق إذا تحققت احد النتائج الاجرامية السابقة يكون الفعل الاجرامي الذي يشكل احد عناصر الركن المادي قد وقع. مع ذلك يجب الانتباه الي نظرية وحدة الفعل الاجرامي التي تتكون من الحركة العضلية الإرادية للفاعل والنتيجة الاجرامية بغض النظر عن أحداثها أم لا , فان حدثت كنا أمام جريمة تامة وان لم تحدث نكون أمام شروع في جريمة .
النتيجة الاجرامية التي تحدث جراء احد أفعال الاعتداء او الايذاء تشير الي احداث ضرر او تعطيل لأجهزة الجسم او احدها بشكل كلي او جزئي مستديم او مؤقت . بالتالي هذه الأجهزة قد تتعطل عن أداء وظائفها بشكل دائم او مؤقت حسب درجة الايذاء او الاعتداء الذي حققه الفاعل بفعله الاجرامي . هكذا قد يؤدي الفعل الاجرامي الي احداث نتيجة تتمثل بتعطيل الجسد عن أداء وظائفه بشكل دائم ( كحالات الضرر او الضرب او الجرح او اعطاء المواد السامة التي تفضي الي الموت ) وقد تحدث نتيجة إجرامية تشير الي احداث عطل مؤقت أو دائم ولكن بصورة جزئية مثل احداث عاهة مستديمة في أحد أعضاء الجسد جراء تحقيق الفعل الاجرامي بالضرب او الجرح او اعطاء المواد الضارة وأخيراُ قد تشير النتيجة الاجرامية الي حالة الم بسيطة او إزالة حالة صفوة واسترخاء الجسد جراء فعل الايذاء البسيط كمن يدفع احد المارة او من يمسك بثياب اخر .
الشروع في جرائم الايذاء ممكن ولكن ليست بصورة الجريمة المستحيلة بل بصورته العادية حيث لا تتحقق النتيجة الاجرامية بسبب خارج عن ارادة الفاعل .
مثال :
حسام يضرب تامر بعصا علي رجله ويحدث اذي بليغ في عظمه دون كسره بشكل تام . حسام يقترف في هذه الحالة شروع في جريمة جرح بليغ حيث ان الكسور تعتبر من جرائم الجرح .
الشروع في جرائم الايذاء المفضي الي الموت او عاهة غير ممكن لان نتيجة الوفاة او العاهة لم تكن في قصد الجاني من البداية وبالتالي لا يمكن الشروع في هذه الحالات لان الشروع ينبني جوهره علي اساس القصد الجنائي .
4-علاقة السببية بين الفعل الاجرامي والنتيجة الاجرامية :
ترتكز علاقة السببية في جرائم الاعتداء علي جسد الإنسان الي وجود علاقة فيما بين فعل الاعتداء علي الجسد وبين النتيجة الاجرامية التي يحدثها هذا الفعل والمتمثلة بالمساس بسلامة الجسد , جرائم الاعتداء علي الجسد وبشكل عام وبحكم طبيعتها لا تعرض صعوبات لإثبات علاقة السببية بين الفعل الاجرامي للاعتداء والنتيجة الاجرامية التي تترتب علي هذا الفعل لانه عادة ما تكون هذه النتيجة الاجرامية لصيقة بالفعل وتحدث بمجرد وقوع الفعل الاجرامي بالاعتداء او الايذاء وبالتالي وبشكل موضعي يستند الي الوقائع لا نجد صعوبة في إثبات رابطة السببية بين الفعل والنتيجة .
المشكلة تبدو في هذه الجرائم في حالة تراخي النتيجة الاجرامية زمنيا عن الفعل الاجرامي بمعنى ان الفاعل ينفذ فعله الاجرامي بالاعتداء ولكن النتيجة الاجرامية لا تحدث بشكل مباشر بل تستغرق مدة من الزمن لحدوثها مثل أفعال الاعتداء التي تؤدي الى احداث عاهة مستديمة او تقضي الى الموت ولكن بعد فترة من الزمن. هنا تبدأ الصعوبات في إثبات رابطة السببية بين الفعل الاجرامي والنتيجة الاجرامية.البداية بالطبع هو التسليم بأن علاقة السببية تقوم بين الفعل الاجرامي والنتيجة الاجرامية ما دامت لم تتدخل عناصر غريبة او أجنبية او لا علاقة لها بالفعل الاجرامي الذي أحدث النتيجة أو كان من المفترض أن يحدثها.
مثال:
حسام يعتدي على تامر بعدة طعنات بالسكين يتم نقله على أثرها الي المستشفى.بعد التشخيص يقرر الطبيب امجد بتر يد تامر جراء الطعنات رغم اعتراض أحد الأطباء أو المشرفين على علاج تامر وفيما بعد يتم تشكيل لجنة تحقيق طبية تؤكد خطأ الطبيب الذي بتر اليد.بالتاي تنقطع علاقة السببية بين فعل حسام الاجرامي بالاعتداء بالسكين وبين نتيجة العاهة المستديمة التي لحقت بتامر جراء قطع يده.في هذه الحالة تدخلت عناصر أجنبية (خطأ الطبيب)وأدت الى انقطاع علاقة السببية بين الفعل والنتيجة الاجرامية.
إثبات علاقة السببية كما نرى هو مسألة موضوعة تعود الى الاستناد الى الأدلة والبحث والتقدير القضائي.
ولكن عادة جرائم الاعتداء على الجسد يكون إثبات القصد فيها طبعا حيث كثيرا ما يعتبر القصد احتمالي في هذه الجرائم ولذلك يجب ان تكون قاعدة المسئولية الجنائية مرتكزة الى القصد الاحتمالي أكثر من القصد المباشر ولذلك يجب ان تكون درجة العمد هي المتوقع بأن مثل أفعال الاعتداء هذه قد تؤدي الى احداث نتيجة إجرامية متمثلة بعاهة مستديمة او مفضية الي موت او ملحقة بأذى بليغ او بسيط.


















جرائم الايذاء العمدية
القصد الجنائي

1-القصد الجنائي في جرائم الضرب والجرح و اعطاء المواد الضارة:
القصد الذي يشترطه القانون في جرائم الاعتداء و الايذاء الجسدي هو القصد العام ويتحقق في حالة ان فاعل الجريمة ينفذ فعله الاجرامي بشكل إرادي وتوافر علمه بأن من شان هذا الفعل الاجرامي أن يحدث النتيجة الاجرامية التي تتجسد بالمساس بسلامة جسم المجني عليه .
مسؤولية فاعل جريمة الاعتداء او الايذاء الجسدي لا تقوم إلا بتوفر قصده العام سواء أكانت الجريمة بسيطة ( بدرجة جنحة ) أم كانت بليغة ( بدرجة جناية ).
فيما يتعلق بعنصر ارادة فاعل الجريمة , يشترط القانون ان يكون فعله إرادياُ بمعني انه قام بتفعيل حركته العضلية او امتناعه عنها بشكل اختياري إرادي دون إكراه او تداخل عناصر أجنبية أخري دفعته دون إرادته الي اقتراف الفعل الاجرامي .
مثال 1: حسام يلتقط عصا وينهال علي تامر بالضرب .
مثال 2: حسام يذهب الي المطبخ ويأتي بسكين ويخرج بها الي الشارع ويعتدي علي جاره تامر ويطعنه عدة طعنات .
مثال 3: حسام يمشي في الرمال ويقوم بدفعه تامر مما يؤدي الي سقوطه علي امرأة وإصابتها .
مثال 4: حسام أثناء استعماله يديه للإشارة الي الطريق الواجب علي السائق إتباعها يضرب شخص يمر من أمامه .
اما فيما يتعلق بعنصر توافر علم الجاني بان من شأن فعله الذي ينفذه ان تلمس بسلامة جسد لشخص آخر فيشترط القانون توافر هذا العلم لدي الجاني .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق